” أستطيع أن أقول أن عمان متقدمة في حضور المرأة في السلك الدبلوماسي عن بقية دول مجلس التعاون الخليجي”

من هدوء المدينة الفاتنة ذات المياه الفيروزية بأزقتها المتعرجة المرصوفة بالحصى، والمساجد والمدارس الدينية التي تكتظ بأصوات تلاوات الأطفال للقرآن الكريم “زنجبار” إلى تلك المدينة الصغيرة الصاخبة المكتظة بالمنظمات الدولية بأشكالها (جنيف)، تروي لنا هيلدا بنت علي الهنائية موجز قصتها من باحثة إدارية بوزارة التجارة والصناعة إلى مؤسسة لمكتب سلطنة عمان لدى منظمة التجارة العالمية بجنيف
ولدت هيلدا في زنجبار ولكنها بدأت أول خطواتها الدراسية من الابتدائية وحتى الثانوية في السلطنة، بعدها درست العلوم السياسية والاقتصادية بالجامعة الأردنية بالمملكة الأردنية الهاشمية.
وبعد انقضاء دراستها الجامعية التحقت هيلدا بالعمل في وزارة التجارة والصناعة لتتدرج في عدة مهام وظيفية أثبتت جدارتها فيها مما أهلها إلى تكليفها بتأسيس مكتب سلطنة عمان لدى منظمة التجارة العالمية بجنيف وذلك في عام 1998م و المشاركة في مفاوضات انضمام السلطنة إلى منظمة التجارة العالمية ومفاوضات جولة الدوحة للتنمية كأول تجربة مهنية دولية تمارسها في حياتها.
“….. جنيف مدينة صغيرة و الحركة فيها تهدأ مبكرا، والحياة في جنيف تدور غالبيتها حول العمل فأنا أعتبر جنيف مختبر عملي و ثقافي..”
هكذا بدأت هيلدا حديثها عن حياتها وعملها في جنيف، واستطردت قائلة: ” تضم جنيف العديد من منظمات الأمم المتحدة و المنظمات غير الحكومية والجامعات و المعاهد التي تتعامل مع المنظمات الدولية، وتعقد بشكل مستمر ندوات ومؤتمرات في مختلف المواضيع السياسية والاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية، والمقيم في جنيف يستطيع أن يستفيد من هذا الكم الهائل من المعلومات والخبرات. فالعمل في جنيف مزدحم على مدار العام لأن كل منظمة من المنظمات الدولية تتضمن مجموعة من اللجان وهذه اللجان تجتمع على مدار العام للتفاوض و تجتمع اللجان بشكل رسمي في بعض الأحيان وبشكل غير رسمي في أغلب الأحيان وهذه الاجتماعات غير الرسمية تعتبر الأهم لان كل المفاوضات المهمة تجري فيها . وبالإضافة إلى حضور الاجتماعات اليومية فهناك أيضاً اجتماعات تنسيقية للمجموعات الاقليمية أو مجموعات المصالح و أيضاً إعداد تقارير للوزارة عن تلك الاجتماعات. و يتابع مكتب السلطنة لدى منظمة التجارة العالمية عمل أربعة منظمات دولية وهي منظمة التجارة العالمية و المنظمة العالمية للمِلْكِيَّة الفكرية و مركز التجارة الدولية و مؤتمر الامم المتحدة للتجارة و التنمية (الاونكتاد) ، إضافة إلى بقية الأعمال الإدارية والمالية الروتينية اليومية.”
التحديات.. بداية الانجازات
لم تكن البداية بتلك السهولة التي قد يتوقعها الشخص عندما يكون الحديث عن مدينة بعراقة جنيف وانفتاحها على العالم، فقد واجهت هيلدا كامرأة عربية مسلمة العديد من التحديات في بداية إقامتها في جنيف منها على سبيل المثال اختلاف الثقافات و عدم معرفة معظم الدبلوماسيين من دول أخرى بالثقافة العربية والإسلامية و نظرتهم السلبية للمرأة العربية المسلمة وذلك حسب ما يصور لهم الاعلام العالمي، مما يجعلها تضطر إلى شرح وتوضيح صورة المرأة العربية بشكل عام والعمانية بشكل خاص.
أما على صعيد العمل فقد كان الوضع أكثر صعوبة وذلك لأن المهمة الموكلة إليها حينها كانت صعبة و كبيرة بالنسبة لها بسبب عدم معرفتها واطلاعها البسيط بتعقيدات العمل الدولي و قلة خبرتها حينها ، وكانت مهمة تأسيس مكتب للسلطنة لدى منظمة التجارة العالمية معقدة لأنها كانت تتطلب بناء كل شيء من نقطة الصفر!
تسرد هيلدا البداية قائلة: كانت لدي موازنة لتعيين مساعد واحد فقط في تلك الفترة، و كانت اللغة بالنسبة لي مشكلة أخرى لأن اللغة الرسمية في جنيف هي الفرنسية ، يضاف إلى ذلك أن السلطنة كانت في تلك الفترة تزيد من وتيرة مفاوضات انضمامها إلى منظمة التجارة العالمية مما يعني أن مع بداية وصولي كان علي أن ادخل مباشرة في مفاوضات الانضمام وفي نفس الوقت وتأسيس مكتب و تدبير مسكن لي !
كما واجهت تحدٍ آخر تمثل في إيجاد منظومة عمل خليجي و عربي مشترك للعمل في منظمة التجارة العالمية فمعظم الوفود العربية كانت صغيرة و غالبيتها كان فيها دبلوماسي واحد مسؤول عن كل عمل منظمة التجارة العالمية ومفاوضاتها وهذا كان يشكل عبء كبير على أي مفاوض ، وكان السبيل الوحيد للتغلب نوعا ما على هذا التحدي هو العمل الجماعي ، وقد أخذ هذا الوضع فترة طويلة ولكن نحمد الله أن أصبح اليوم هناك وعي أكبر بأهمية هذه المنظمة و العمل فيها و قد زادت معظم الوفود عدد الدبلوماسيين فيها ، وأصبح هناك عمل جماعي على المستوى الخليجي وعلى المستوى العربي رغم التحديات التي تواجهها الوفود العربية.
كما أن هناك نقطة أخرى تثير اهتمامي وهي تدريب وتأهيل الكوادر العمانية في مجال العمل الدولي و بالذات في مجال المنظمات الدولية التجارية ، فنحن في السلطنة بحاجة إلى تدريب و تأهيل الشباب العماني في المجال القانوني والعلاقات الدولية والتجارية و العاملين في التخصصات الأخرى في المفاوضات التجارية الدولية ، فنحن نعاني من نقص حاد في الكفاءات في هذا المجال المهم ، وبحاجة إلى خلق صف ثاني من المفاوضين الدوليين في هذا المجال . بالإضافة إلى حاجتنا لبرنامج تدريبي مستمر يبني كفاءات باستمرار نستطيع أن نستعين بها في الأعمال الدولية.
… وكيف بدا اسم عمان في بداية انضمامها ؟!
لم تكن عمان معروفة كثيرا عندما كانت تتفاوض على الانضمام ولكن بعد الانضمام عندما بدأنا نشارك في المفاوضات كدولة عضو و نعبر عن مواقفنا و ندافع عن مصالحنا بدأت الدول الأعضاء تهتم بهذا العضو الجديد ومطالبه . واليوم أصبحت عمان من أكثر الدول العربية التي تستشار في القضايا المتعلقة بالمجموعة الخليجية و العربية وتأخذ الدول الأعضاء مطالبها بجدية.
أين وصلت المرأة العربية والخليجية في السلك الدبلوماسي..!
تقول هيلدا: أتوقع أن المرأة العربية و الخليجية وصلت إلى مناصب عالية في السلك الدبلوماسي فكما هو معلوم لدينا في الوقت الحاضر سفيرتين عمانيتين في الأمم المتحدة بنيويورك وفي واشنطن ، وهذه تعتبر من أهم المناصب في العمل الدبلوماسي ، ولدينا سفيرة أيضاً في أسبانيا ، والمرأة العربية بشكل عام و الخليجية بشكل خاص موجودة في العمل الدبلوماسي في أماكن عديدة الآن ، وأستطيع ان أقول أن عمان متقدمة في هذا المجال عن باقي دول مجلس التعاون الخليجي .
فخر .. وانجازات
منذ 1998 وحتى اليوم تفتخر هيلدا بعدد من الإنجازات التي استحقتها بجدارة عبر عملها الدؤوب كان أولها وسام صاحب الجلالة ملك البحرين الذي منح لها في مؤتمر قمة المرأة العربية الذي عقد في البحرين عام 2006م ، وإنجاز آخر افتخرت به وهو المساعدة التي قدمتها في انضمام جمهورية سيشل إلى منظمة التجارة العالمية من خلال رئاستها لفريق عمل انضمام جمهورية سيشل إلى منظمة التجارة العالمية عام 2014م، ومشروع آخر هو استضافة جامعة السلطان قابوس للدورة الاقليمية للسياسات التجارية والتي بدأت في عام 2014م لمدة ثلاث سنوات.
لم تقف التحديات يوما عقبة في وجه إصرار هيلدا وعشقها الكبير لعملها وهويتها الوطنية حتى جعلت لعمان صوتا قويا بين جميع دول العالم لتصبح من الدول التي يستعان بها لتبادل الخبرات و تقديم الدعم الفني للدول الأخرى لا سيما تلك التي في مرحلة الانضمام .
التعليقات
التعليقات مغلقة