د. راشد بن علي البلوشي
أستاذ اللغويات المساعد
جامعة السلطان قابوس

كثيرون هم طلابنا في مرحلتي الماجستير و الدكتوراه. اللهم زدهم … عدداً … و همةً … و توفيقاً.
و لكن هذا الحقيقة تقودنا إلى السؤال عن الهدف من الدراسات العليا, و هذا بدوره يقودنا إلى السؤال عن كيفية القيام بمتطلبات الدراسة في هاتين المرحلتين بما يحقق التفوق و الإتقان, عملا بقول الرسول الكريم عليه الصلاة و السلام “إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه”.
و لكن قبل الحديث عن مرحلتي الماجستير و الدكتوراه, سوف نتحدث باختصار عن الدراسة في مرحلة البكالوريوس, المؤسِسة لهاتين المرحلتين. الهدف الأهم من الدراسة في مرحلة البكالوريوس هو تعريف الطالب على أهم العلوم و المعارف و النظريات و التطبيقات و الإنجازات و الاكتشافات العلمية في مجال التخصص. و يتحقق ذلك من خلال مقررات علمية يكون الهدف منها تعريف الطالب بجوانب مختلفة من مجال التخصص، تكون هذه المقررات مصممة بحيث تكون المادة العلمية تعريفية توفر للطالب فرصة كبيرة لاستقاء العلوم و المعارف في مجال التخصص, و كذلك فرصا للتدريب العملي على تطبيق هذه العلوم و المعارف بحيث تكون جزأ من الخبرات المهنية التي سوف ينقلها الطالب بعد التخرج إلى سوق العمل. و لكن مهمة الطالب لا تقتصر على استقاء المعارف و العلوم من مصادرها بل تتعداها لتشمل كذلك تكوين رأي خاص به في كل ما قرأه و سمعه و تعلمه بحيث تكون الدراسة في المرحلة الجامعية تجربة ثرية فريدة يتعامل فيها الطالب, و كذلك الهيئة التدريسية, مع عقل الطالب لا كأداة حفظ و تخزين للمعلومات (hard disk) بل كأداة فهم و استيعاب و تطبيق و تحليل و تقييم و نقد قادرة على التعامل مع المشكلات و حلها و نقل المهارات و الخبرات إلى مجالات علمية و عملية أخرى. و يتحقق ذلك من خلال توفير مقررات ذات صبغة بحثية يكون جل تقييمها على ورقة بحثية في موضوع من اختيار الطالب بالتشاور مع أحد أو بعض أعضاء الهيئة التدريسية في المؤسسة التعليمية. و يكون الهدف من هذه المقررات هو توفير فرصة للطلبة لكي يتعرفوا على ملكاتهم التعلمية و قدراتهم العقلية و الإدراكية و طموحاتهم المهنية و الاجتهادية و الريادية مما يمكنهم من أن يستشرفوا مستقبلهم في هذا التخصص, فهل سيتوقف مشوارهم العلمي بعد الانتهاء من درجة البكالوريوس, أم أن هذه الدرجة هي خطوة واحدة على طريق طويل مليء بالطموحات و الإنجازات؟
أما بالنسبة لدرجة الماجستير فإن لها هدفين أساسيين, الأول هو تحديث المعلومات و المعارف التي اكتسبها الطالب في درجة البكالوريوس, حيث أن مقررات هذه الدرجة قد صممت لكي تذكر الطالب بما تعلمه في مجال التخصص و كذلك لكي تزيده علما و معرفة بكل ما تم التوصل إليه في مجال تخصصه. و لذلك فإن هذا الهدف يتحقق بقراءة الحديث من الكتب في التخصص و كذلك الجلوس للامتحانات (كما هو الحال في درجة البكالوريوس) و أدائها و اجتيازها مما يؤكد إلمام الطالب بكل ما قيل و يقال في تخصص دراسته (أو على الأقل في تخصصه الدقيق), و بما أن مقررات هذه الدرجة تولي أهمية أكبر للبحث العلمي فإنه لا بد لأحد مقرراتها من أن يكون “مقدمة في البحث العلمي”, و خصوصا في مجال التخصص. هذا و غالبا ما تحتوي بعض مقررات هذه الدرجة على مكون بحثي, بحيث يقوم الطالب بكتابة بحث علمي متفق مع موضوع المقرر و بالتشاور مع الأستاذ. و غالبا ما تتراوح جودة هذه الأبحاث من “جيد” إلى “جيد جدا”, و عندما يكون البحث “ممتازا” في موضوعه و طريقة إعداده و نتائجه فإن الأستاذ غالبا ما يقترح على الطالب نشر البحث و يقوم بمساعدته في إعداده للنشر لزيادة فرص قبوله في أفضل المجلات العلمية المحكمة في مجال التخصص. و الذي يحدد جودة البحث (“جيد” أو “ممتاز”) هو ما إذا كان يجيب على سؤال “ماذا”, و هو غالبا ما يكون بحثا وصفيا, أو على سؤال “لماذا” أو “كيف”, و هو غالبا ما يكون بحثا نقديا تحليليا. و عندما تكون جودة البحث “جيد جدا” فإن الأستاذ غالبا ما يقترح على الطالب عرضه في أحد المؤتمرات العلمية المتخصصة حتى يحصل على بعض النقد البناء الذي يعينه على تحسين جودته, أو يقترح عليه التعاون مع أحد الأساتذة أو حتى الطلاب (من داخل أو خارج الجامعة) من الذين يهتمون بموضوع البحث.
و تكمن أهمية إلمام الطالب بكافة العلوم و المعارف في تخصصه و كذلك قدرته على تصميم البحوث و إجرائها في أنها تعينه على تحقيق الهدف الثاني من و جود درجة الماجستير, و هو إعداد الطالب و تدريبه لأن يكون باحثا ملما بأهم الأسئلة و المشكلات في مجال تخصصه, قادرا على طرح الأسئلة و تصميم الأبحاث التي تنظر في الإجابة عليها و حلها. و بتعبير آخر فإن الهدف من درجة الماجستير هو تدريب الطالب على إجراء البحوث و تنفيذها و تصميم وسائلها و التواصل مع الجهات الرسمية و غير الرسمية المعنية و الحصول على التراخيص المطلوبة و استقاء البيانات و تحليلها (باستخدام الوسائل الإحصائية الصحيحة) و التوصل إلى النتائج و تفسيرها و التوصية بشأنها و كتابة البحث و نشره لكي تعم الفائدة و تؤدى الرسالة من عملية البحث العلمي. باختصار, فإن دور درجة الماجستير هو إعداد باحث في مجال التخصص, ملم بخطوات عملية البحث العلمي و كذلك بأهم الباحثين و بمساهماتهم في مجال التخصص.
أما بالنسبة لدرجة الدكتوراه فإن هدفها في السنة الأولى (أو الأولى و الثانية في بعض الجامعات) هو تحديث العلوم و المعارف في مجال التخصص (أو التخصص الدقيق) بالنسبة للطالب, و هذا هو النظام في معظم الجامعات العريقة, و يكون ذلك من خلال مجموعة من المقررات التي تهدف إلى إطلاع الطالب على كل ما هو جديد في مجال تخصصه, حتى يتمكن من اختيار تخصصه الدقيق (أو التبحر فيه إذا كان قد اختاره). و توفر هذه المقررات أيضا فرصا بحثية يقوم من خلالها الطالب باختيار موضوع للبحث متصل بموضوع المقرر و بالتشاور مع الأستاذ, حيث أن هذا التشاور مهم لأنه يعرف الطالب بما ينبغي أن يضيفه بحثه للمعرفة الإنسانية في مجال البحث. و من خلال ست مقررات في السنة, يصبح الطالب مطلعا بصورة جيدة جدا على ما ينبغي أن يكون موضوع اهتمامه بالنسبة لأبحاث درجة الدكتوراه و كذلك لرسالة الدكتوراه, و هو ما سيقوم به الطالب في ما تبقى من مدة درجة الدكتوراه.
حيث أن الطالب سيقوم بأبحاث تحت إشراف (أو بالاشتراك مع) مجموعة من الأساتذة في القسم. و هذه التجربة البحثية الثرية من خلال درجة الماجستير و ما تقدم من درجة الدكتوراه (ما يعادل الأربع سنوات) يجب أن تصل بالطالب إلى اختيار موضوع لرسالة الدكتوراه و, نظريا, يجب أن يكون هذا الموضوع أو السؤال أو المشكلة أكثر المواضيع التي يهتم بها الطالب و يود البحث فيها لدرجة الدكتوراه و ربما متابعة البحث في مختلف جوانبها في مرحلة ما بعد الدكتوراه. بعد اختيار الموضوع, يقوم الطالب و بالتشاور مع الأستاذ المشرف على الرسالة بصياغة مقترح البحث و اختيار باقي أعضاء اللجنة و تقديم المقترح للقسم في عرض كامل يتصف بالمهنية و يدل على اهتمام الطالب بموضوع الرسالة و إلمامه بكافة جوانبه, لإبداء الرأي بشأنه و الحصول على موافقة القسم و على أي مساعدة أو خبرة ممكنة من أي من أعضاء الهيئة التدريسية في القسم و كذلك من الطلبة الآخرين المهتمين بموضوع الرسالة, حيث أن الأساتذة و الطلاب جميعا يمكن أن يمدوا الطالب بمعلومات قيمة جدا بخصوص جوانب أخرى للبحث يمكن أن يكون قد غفل عنها و كذلك بمعلومات عن أهم الباحثين الذين تناولوا موضوع الرسالة و تدارسوه من قبل. بعد ذلك يقوم الطالب بتصميم أدوات البحث و تنفيذ كافة خطوات إعداد البحث العلمي حسب ما تعلم و تدرب في درجة الماجستير, مستفيدا من جميع مراحل العملية العلمية و البحثية و كذلك من الأبحاث التي قرأها في أثناء دراسته لكبار العلماء و الباحثين في مجال التخصص.
و عند اختيار موضوع البحث يوصى الطالب بالعمل على موضوع مهم لمجال التخصص و شيق بالنسبة للطالب نفسه لأن اهتمام الطالب بالموضوع سيساعده على إعداده و تنفيذه بطريقة ممتازة, و هنا لا بد من التذكير بأن اختيار الجامعات التي يدرس بها الطالب أمر مهم جدا, فيجب أن تكون هذه من الجامعات العريقة في العالم و القوية في مجال التخصص حتى تكون تجربة الدراسات العليا (أو حتى الدراسات الجامعية) تجربة فريدة مفيدة للطالب و لمجال التخصص و للجامعة المستضيفة نفسها و لجهة الابتعاث و للوطن و الأمة. و كذلك حتى يتمكن الطالب أو الباحث من تقديم مساهمة عظيمة قدر الإمكان لمجال تخصصه و لكل شخص مهتم بموضوع الرسالة يأتي من بعده حتى يكون بحثة, بإذن الله, من قبيل صدقة العلم الجارية.
طبعا لا ننسى هنا خيار التوجه إلى جامعات متوسطة (أو ضعيفة) المستوى للدراسات العليا, و هو الخيار الأسهل الذي تفرضه ثقافة “مشي حالك” و ثقافة “في النهاية نفس الشهادة, بنفس المسمى الوظيفي و نفس الراتب”, و لكن في هذا النوع من الجامعات تكون التجربة العلمية و البحثية أقل ثراء (إن لم تكن ضعيفة) و يكون الطالب أقل تمكنا من موضوع بحثه نتيجة لقلة أو لتدني جودة المعايير العلمية و البحثية و التقييمية في هذا النوع من الجامعات, و لذلك فإن هذا الخيار يجب أن يكون مستبعدا منذ البداية إلا إذا كان الهدف من الدراسة هو الألقاب و المكانة الاجتماعية المرموقة و ارتفاع الأسهم في ما يتعلق بالترشيح للمناصب الإدارية و الريادية.
أما إذا كان الهدف من الدراسات العليا (و الدراسة عموما) هو بصدقٍ سلوك طريق علم يسهل الله لسالكه به طريقا إلى الجنة (بحسب الحديث الشريف, على صاحبة أفضل الصلاة و أزكى التسليم) فإننا نوصي باختيار الجامعات ذات البرامج القوية التي توفر للطالب تحدٍ حقيقي يمكنه من تطوير ملكاته الذهنية و قدراته العقلية و اكتشاف الكوامن من قدراته و ملكاته مما يعينه على تقديم مساهمة أو إضافة مهمة للعلم و المتعلمين, و ذلك حتى يستحق لقب الدكتوراه. فدرجة الدكتوراه باللغة الإنجليزية تعني Ph.D. أو “دكتور أوف فيلوسوفي – Doctor of Philosophy” أو بالعربية “دكتور في الفلسفة”. و هذا المصطلح يعني أن كل حاصلٍ على درجة الدكتوراه هو دكتور في الفلسفة بغض النظر عن تخصصه الذي قد يكون كيمياء أو فيزياء أو تربية أو لغة أو تجارة أو علم نفس أو علم اجتماع. و هذا يقودنا إلى أن أصل التسمية هو “دكتوراه في فلسفة العلم”, بمعنى أن كل شخص حاصل على درجة الدكتوراه هو, نظريا, شخص مؤهل بحق لأن يكون فيلسوفا في مجال تخصصه, و بتعبير آخر فإن الشخص الذي حصل على درجة الدكتوراه هو شخص مؤهل لأن يبدع أفكارا جديدة و يخترع علوما جديدة في مجال تخصصه. في اللهجات الدارجة, نحن نطلق لفظة “يتفلفس (أو يتفلسف)” على الشخص الذي يبتدع أفكارا و يأتي بأخبار و تحليلات و تصرفات جديدة. و لذلك فإن الفيلسوف أو الدكتور (professor) هو بالضرورة شخص مجدد و مستكشف و مخترع و منتقد نقدا بناء و مرشد في مجال تخصصه, مضيفا لكل ما تم إنجازه من قبله, مبدٍ رأيه بخصوص كل أو معظم ما يقال أو يكتب في مجال تخصصه.
بالطبع, قد يقول البعض بأن هذه النظرة أو هذا المفهوم للدراسات العليا و الدكتوراه خصوصا فيه من المبالغة ما يجعله مفهوما خاصا لأشخاص دون غيرهم, و لكن من خلال تجربة استمرت لست سنوات في قارة أمريكا الشمالية فإن معظم من قابلت هناك كان دائما طموحه أن يلتحق بجامعة أقوى من التي درس بها في السابق, ما يعكس تعطش هؤلاء الأشخاص للتحدي و الإنجاز و الذهاب بعيدا في طموحاتهم العلمية و البحثية, في حين يهتم معظمنا بالدرجة العلمية و اللقب و الوظيفة و الراتب. و هذا يدل على أن الكثيرين منا ليسوا مهتمين بالعلم بحق و إنما مستهلكين للعلم لغايات غير علمية.
و هذه المفارقة (أو بالأحرى, الثقافة السلبية) هي التي غيرت الحال, ففي الماضي كان الغرب يأتون إلى بلاد العرب للتعرف على علومنا و فنوننا و ثقافتنا, حيث أطلقنا عليهم لقب “المستشرقين”, أما الآن بعد أن أخذوا العلم منا و أعطوه حقه من التعلم و البحث و التطوير و التجديد و الإبداع أصبح العلم علمهم و انقلب الحال فبدل المستشرقين فإن العالم يشهد الآن “مستغربين” يذهبون إلى الغرب للتعلم و الاطلاع و البحث, و لكننا حتى في هذه الحالة لا نذهب إلى أقوى جامعاتهم و برامجهم و لذلك لا نستطيع أبدا أن نقارعهم في معركة العلم و البحث و الاختراع, فنظل نحن المستهلكين و يظلون هم المتحكمين.
و حتى لا نختم المقال بنظرة سوداوية متشائمة فإننا نقول أن سباق التفوق في العلوم لم ينته بعد و أن السجال لا يزال مستمرا فهل من مشمر عن ساعد الجد يهدف من الدراسات العليا أن يقدم إضافة جليلة للمعرفة البشرية و مساهمة كبيرة تساعد هذه الأمة على استرجاع بعض من هيبتها التي ضاعت في عصور التقليد و الاستهلاك؟
و عندما تؤخذ الدراسات العليا و خصوصا درجة الدكتوراه على أقصى درجات الجد و الاجتهاد فإننا نظن, و لله العلم, أنها تصبح رحلة شيقة في فضاءات علوم الكون و الخلق و النفس اللامتناهية (و هو القليل الذي منّ الله به علينا), رحلة يمكن أن ترتقي, بفضل الله, بصاحبها إلى درجة “الهجرة” التي أشار إليها الرسول الكريم في الحديث الشريف حيث يقول عليه الصلاة و السلام “إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه”. فإذا كان ابتعاد الطالب أو الباحث عن أهله (و ربما زوجه و ولده أيضا) طلبا للعلم و بحثا عن التفوق و التميز و الإبداع و المساهمة في إثراء المعرفة البشرية, و رحلة من ما هو قليل إلى ما هو كثير و من ما هو سهل إلى ما هو صعب و من ما هو متاح إلى ما فيه تحدٍ و صبر و جلد و من ما يقوم به الغالبية العظمى من الناس إلى ما يتصدر له من عشقوا لذة الاكتشاف و رغبوا في العلم لذاته, فإنها تكون “هجرة” من أنماط الدراسة القديمة و أساليب التعلم المبتذلة و طرق البحث العقيمة إلى أنماط و أساليب و طرق أوفر إنتاجا و أغزر محتوى وأكثر ثراء من الناحية الإبداعية, تصل بصاحبها, مهما كان مجال تخصصه, إلى حقيقة أن الله تعالى هو الخالق و المدبر (و الذي يقول “سنريهم آياتنا في الآفاق و في أنفسهم”). يقول الرسول الكريم عليه الصلاة و السلام في هذا المعنى “و المهاجر من هجر ما نهى الله عنه”, و قد نهى الله تعالى عن إضاعة الوقت و الجهد و المال في ما لا ينفع, و بذلك فإن الإتقان في التعلم في زمن أصبح العلم فيه شهادة و وظيفة فقط هو هجرة عن ما نهى الله عنه. و الله تعالى أعلم.
ملاحظة: قد يختلف البعض معنا في تفسير هذين الحديثين الشريفين, و لكن عذرنا في هذه الحالة هو إمكانية الفهم الجديد لهذين الحديثين من حيث المبدأ, و الأهم من ذلك هو حقيقة أن آيات كتاب الله و أحاديث سنة نبيه المصطفى عليه الصلاة و السلام (و هي أيضا وحي من الله تعالى) لم تسعها العقول فهما و لم تدركها الأذهان تفسيرا و لم تعيها القلوب بصيرة في أي زمن من الأزمنة أو مكان من الأمكنة, و لذلك فهي صالحة لكل زمان و مكان.
نختم هذه المقالة بالقول بأن الغرب اهتموا بالعلوم فتقدموا و نحن اتخذنا العلم فرصة للوظيفة و الترقية و المسمى الوظيفي فتخلفنا (لا أعني هنا أن هذه الأشياء ليست ضرورية, بل هي مهمة جدا, و لكن الأهم هو العلم, الذي لا تقوم للأمة قائمة بدونه). و لكن كما قلنا سابقا فإن الميدان ما يزال مفتوحا و السباق لا يزال على أشده, فهل من راغب في العلم و كذلك في مجد العلم الذي يجعل من صاحبه حجة في مجال تخصصه مما يمكنه من أن يعيش حياة أطول مما تجود به أنفاسه, من خلال إنتاجه العلمي و البحثي؟
في ما يلي نورد بعض ما قيل في ابن خلدون الذي عاش من العلم (الحياة المادية) و عاش بالعلم (الحياة العلمية المتميزة) و رحل عام 1406 و لا يزال العلم يعيش به و بإنجازاته (حياة المجد الطويلة), بشهادة الآخرين. فليختر كل واحد منا ماذا يريد أن يقال عنه!
• أرنولد توينبي: ابتكر ابن خلدون وصاغ فلسفة للتاريخ هي من أعظم ما توصل إليه الفكر البشري في مختلف الأمم والعصور .
• لينين: طرح لينين تساؤل عن إمكانية وجود فيلسوف آخر في الشرق من أمثال ابن خلدون .
• ايف لاكوست: مؤلف ابن خلدون يمثل ظهور التاريخ كعلم، وهو أروع عنصر فيما يمكن تسميته أو اعتباره بالمعجزة العربية .
• ايف لاكوست: الخرق في فكر ابن خلدون هو أنه بالفعل طرح بوضوح إلى حد ما عددا من المسائل التي يطرحها المؤرخون الحاليون . وأنه بحث عن أجوبة لهذه المسائل الأساسية في تحليل البنى الاقتصادية و الاجتماعية والسياسية…..
• روجيه غارودي: فيما يتعلق بدراسة المجتمعات وهيكلها ومراحل تطورها ، فإن أكثر الوجوه التي تمثل تقدماً تتمثل في شخص العالم والفنان والفقيه ورجل الحرب والفيلسوف ابن خلدون ، الذي يضاهي بعبقريته العالمية عمالقة الفكر والنهضة عندنا منذ القرن الرابع عشر الميلادي .
• فيليب حتي: ابن خلدون أعظم فيلسوف و مؤرخ أطلعه الإسلام. وأحد اعظم الفلاسفة و المؤرخين في كل العصور.
• مارسيه: مقدمة ابن خلدون هي أحد أكثر المؤلفات ضرورة وأكثرها أهمية من بين المؤلفات التي أنتجها العقل البشري.
• أرنولد توجينجا: لقد تصور ابن خلدون و صاغ فلسفة هي بلا شك أعظم نتاج أبدعه أي ذهن في أي عصر و في أي بلد.
• جورج لابيكا: استأثرت آراء ابن خلدون في التاريخ والاقتصاد والفلسفة الاجتماعية باهتمام الباحثين . وهي الآراء التي تبقى بلا شك إسهامه الأساسي في إرث البشرية الفكري.
و فقنا الله و إياكم لما يحبه و يرضاه. آمين.
المراجع
http://mawdoo3.com/
http://univ-eloued.7olm.org/t167-topic
مقالة رائعة نثرت الملح على جروحنا العميقة .. ويكأن جامعة أفلاطونية فاضلة تلك التي ننشد .. فالواقع لم يبق فينا أملا ولم يذر.. كان التحاقي بجامعة السلطان قابوس لإكمال الماستر في العلوم حلما تركزت معظم أحداثه في المهارات البحثية والمعرفية التي سنكتسب أثناء الدراسة .. كم مؤتمر سنحضر.. كم ورقة علمية سننشر .. كم سيمنار وحلقة نقاش ..
أفقت من الحلم على 5 مواد استدراكية و8 مواد بين أساسية واختيارية كان علي أن أحفظها جيدا كي أخرج من صدمتي العظيمة ولا أبقى عالقة للأبد في مدينة حلمي الواهم..
وجدتني مع زمرة من الناس يفاضلون بين البشر وفقا لدرجاتهم في الأوراق وحتى المعاملة التي يتلقاها الطالب فهي وفقا لل GPA الخاص به بصرف النظر نهائيا عن قدراته وإلى أي مدى يستطيع أن يصل. ولقد ندمت أشد الندم أنني لم ألتحق بجامعة أخرى خارج الحدود أخرج منها وقد اكتسبت حقا كل المهارات التي توقعت أن أجدها هنا. لكن ….
بقي الأمل في أن أجد طريقا شفيفا وواضحا إلى عتبة الدكتوراة يكفل ألا أتلقى صدمة ثانية حتى لو اضطرني ذلك إلى السفر إلى أبعد حدود المجهول .. وعلى جامعاتنا أن تعالج الصدأ في العقول قبل المباني أو الكراسي..
كل التقدير دكتور..
أمل الحرملية