رشيد الخديري
غالباً ما يجد طُلاب الجامعات والمعاهد العربية صعوبة في فهم وتلقي المتن النقدي العربي، وقد يتطور الأمر إلى حالة من النفور المبرر أحياناً والغير المبرر في أحايين كثيرة، ذلك أننا نعترف، أن ثمة صعوبات تجعل من تلقي الدرس النقدي العربي مادةً غير مرغوب فيها، إلا في حالات استثنائية، تهم الطالب بالدرجة الأساس ومدى قدرته على الفهم والاستيعاب والانخراط الكلي في الشرط المعرفي، وكثيرة هي المرات التي اشتكى فيها أغلب الطلاب بصعوبة هذا التلقي.
هل الإشكال في طرق التدريس التقليدية لهذه المتون؟ هل الطالب العربي لم يعد راغباً في النقد القديم؟ هل ثمة نفور من كل ما هو تراثي قديم؟ تتناسل الأسئلة بقدر عجزنا عن إيجاد أجوبة مقنعة وعلمية لهذه الإشكاليات، وأعتقد أن معضلة النص التراثي تتداخل فيه دوافع ذاتية وموضوعية، ما له علاقة بالطالب الباحث، وإن لا نعمم المسألة، فهناك من الطلاب من يجد متعة في تلقي أصول النقد القديم، وأيضاً طرق تدريسها التي مازلت لم تنفصل بعد عن المناهج القديمة، وجلي أن النظريات الأدبية والنقدية تتسم بطابع الترحال والتحول بتغير الإنسان وتغير في محاصراته المعرفية والإدراكية، ما أعنيه حقاً، أن ثمة فجوات معرفية وأكاديمية ينبغي مراجعتها بما يخدم الطالب في عملية التلقي، وهذا لن يستقيم ما لم نعد التفكير في طرق تدريسنا لهذه المادة الحيوية.
إن حالة الصدام التي تنتج عن هذه الإشكاليات تصيب الطالب في حيرة من أمره، وتُبعده عن تلك المساحات الشاسعة في متوننا النقدية القديمة، وتنطرح أمامنا في سياق الحديث عن التراث العربي في علاقته مع النقد، جملةً من الإشكالات المعرفية والمنهجية والتاريخية، خاصةً أن قضية ” التراث والنقد” تتخذ ثلاثة أبعاد: تاريخ النقد العربي التراثي الذي حاول النقاد القدامى ترسيخه في الذهنية العربية، النظريات النقدية العربية الحديثة، ثم مناهج النقد الغربي الوافد والمستنبت في التربة العربية رغم طابع الاستحالة، من هنا، تبدو ثنائية التراث والنقد ذات طابع إشكالي، ملتبس، وإن كانت أغلب الدراسات راهناً، حاولت التخفيف من وطأة هذا الصراع الخفي، ومع ذلك، فإن درجة “العداء” بينهما ليس له ما يبرره، بحكم الصيرورة التي تجعل من التفاعل أساساً لكل النظريات.
هذه التركة الأدبية والنقدية هي مرآة للماضي والحاضر فينا، وهي أيضاً – في كل الأحوال- ليست حلا نهائيا لأسئلتنا الراهنة، بقدر ما هي إلا معرفة جزئية تمكننا من تلمس الطريق والاهتداء في نهاية المطاف إلى درجات الوعي الكلي بقيمة الخوض في الكل لا الجزء، وفي تصوري، فإن الاشتراط المعرفي هو أساس الوعي بقيمة الآخر وتجاوز خصومات الماضي والحاضر، والنظر إلى الإبداع بما هو قيمة واختراق و بنوعٍ من التأمل والتخطي والامتداد.
ولاشك، أن الامتداد التاريخي لكليات المعرفة واشتراطاتها في جسد الثقافة العربية هو ما نذهب إليه اليوم، ونُلح على تبنيه، بعيداً عن جدال عقيم بين التراث والحداثة، واهم من يتصور غير ذلك، للتراث وجهه المضيء والمعتم، وأيضا للحداثة مطبات وأعطاب بتعبير الشاعر والناقد المغربي محمد بنيس، وعليه، فإن ما يشغلنا في هذه التركة الأدبية والنقدية، هو ذاك النسيج الهائل والمتكامل للمعرفة في تحولها وثباتها، من أجل سيرورة نقدية متوازنة وفعالة .
التعليقات
التعليقات مغلقة