الأضرار التي تتسبب بها الأسمدة الكيماوية يكلف الدول أموالا طائلة للبحث لها عن علاجات ناجعة، ومازال بعض هذه المخاطر عصيا على العلاج!

الآثار السلبية التي تسببت بها الزراعة الحديثة على صحة الأنسان والبيئة، من خلال اعتمادها الكبير على المواد الكيماوية من أسمدة ومبيدات وهرمونات وعقاقير لرفع الإنتاج الزراعي، دعت الكثير من المختصين في المجال الزراعي للمناداة بضرورة الاهتمام بما يسمى بالزراعة العضوية التي يرى المؤيدون لها أنها الحل الأمثل لمجابهة تلك الآثار، وذلك عبر استخدام وسائل طبيعية في الزراعة غير ضارة بعناصر البيئة، منها استخدام الأسمدة العضوية.
في بحثه الذي حمل عنوان (تأثير الأسمدة العضوية على عملية الاستنبات الزراعي) لنيل درجة الماجستير من جامعة كوينزلاند بأستراليا، الباحث العماني صالح بن عبدالله بن عزان الجهضمي يحاول إضافة بصمته الخاصة في لفت المجتمع للمخاطر الصحية والبيئية الناجمة عن تناول منتجات زراعية تعرضت للأسمدة والمواد الكيماوية، وذلك عبر قيامه بدراسة استخدام مجموعة من الأسمدة العضوية في الاستنبات الزراعي ومتابعة تأثيرها على نمو وإنتاج وجودة المحاصيل الزراعية من خلال استخدام محصول ثمرة الذرة الحلوة كعينة للدراسة.
ويوضح صالح الجهضمي تفاصيل بحثه قائلا: في البداية قمت بتحضير الأسمدة العضوية والتربة الرملية النظيفة وتهيئتها، ثم خلط 16 جرام من الأسمدة العضوية لكل 5 كيلو من الرمل، داخل بيت محمي وبإشراف متخصصين بالزراعة العضوية من جامعة كوينزلاند، ثم زراعة بذور الذرة الحلوة، وعلى ما يقارب السنة قمت بمتابعة فترات نموها أولا بأول، منذ بداية زراعة البذور وإلى وقت جني المحصول، شملت المتابعة تحليل التربة ومعرفة عناصرها الحيوية وأخذ قياسات نمو النبات من جوانب متعدد كعدد وطول الأوراق وطول الساق ووفرة المحصول وجودته وانتهاء بتحيل العناصر الغذائية بالنبات.
يضيف الجهضمي: اليوم دون وعي كافٍ وتخطيط مدروس أو استعانة بخبرات علمية موثوقة يعتمد الكثير من المزارعين على الأسمدة الكيمياوية؛ لرفع مستوى أتناجهم الزراعي، دون الاكتراث بآثارها السلبية على صحة الإنسان والحيوان ومقومات الطبيعة نفسها، المتمثلة في التربة والمياه على المدى البعيد. الأمر الذي بات يكلف الدول أموالا طائلة لاحتواء هذه الآثار والبحث عن علاجات ناجعة، ومازال بعض هذه المخاطر عصيا على العلاج. لذا فالدراسة تهدف لتوجيه المزارعين والمهتمين بالقطاع الزراعي إلى وجود بديل عضوي وطبيعي عوضا عن المبيد والسماد الكيماوي، ويعطي نفس النتائج من حيث جودة المحصول ووفرته، مع ضمان خلو المحصول من أي أضرار سلبية مستقبلا.
نتائج
عن النتائج التي خلص إليها في دراسته، يقول الجهضمي: أثبتت نتائج الدراسة أن استخدام الأسمدة العضوية لها نفس تأثير الأسمدة الكيماوية من حيث رفع جودة ووفرة الإنتاج، لكنها تتميز بأنها طبيعة، وتخلو من الآثار الضارة بصحة التربة والإنسان والحيوان. حيث أثبتت الدراسة أن الأسمدة العضوية أكثر محافظة على حيوية التربة وخصوبتها وتبقى صالحة للاستخدام مرات عديدية مع محفظتها على عناصرها الحيوية؛ وذلك بخلاف الأسمدة الكيماوية التي تقضي على الكائنات الحيوية داخل التربة. كما أن الأسمدة العضوية تحافظ على درجات الحموضة للتربة في حدود المتوسط (بين 7 -8 pH) بالمقارنة بالأسمدة الكيماوية والتي قد ترفع أو تخفض درجات حموضة التربة في حالة استخدامها المتكرر وهذا بدوره يؤثر على نمو النباتات ونمو الكائنات الحية المفيدة الموجودة في التربة. نسبة النيتروجين الموجودة في الأسمدة العضوية مثل السماد المكون من مخلفات الدواجن تكفي لتعوض نسبة النتروجين الموجودة في الأسمدة الكيماوية، حيث إن كمية النيتروجين الموجودة في السماد العضوي تقريبا 5050.8 مل جرام في كل كيلو جرام من الأسمدة أي بنسبة 7 في الألف، وهذه نسبة كافية لإمداد النبات بالنيتروجين المطلوب. علما أن نتائج هذه الدراسة جاءت مطابقة لنتائج دراسات مشابهة أجريت في عدد من الدول المهتمة بالزراعة وخاصة مجال الزراعة العضوية كأستراليا والبرازيل.
طموحات
وعن طموحاته في مجال دراسته، يقول صالح الجهضمي: منذ القدم كان النشاط الزراعي مصدر غذاء ودخل للإنسان العماني، لذا وعبر النتائج التي خرجت بها الدراسة نأمل الاستفادة بشكل أكبر من المواد العضوية الطبيعية الموجودة في البيئة العمانية واستثمارها في العمليات الزراعية. كما نأمل أن نصل في السلطنة الحبيبة لإيجاد مصانع محلية تنتج أجود أنواع الأسمدة العضوية وتعزز الاكتفاء الذاتي للسوق المحلي من هذه الاسمدة، وذلك مرتبط بضرورة عمل الجهات المختصة بالقطاع الزراعي على تسهيل إجراءات إنشاء مثل هذه المصانع وتوفير الدعم اللازم لتحقيق ذلك. وهذه النوعية من المصانع تتميز بقلة التكلفة المالية مقارنة بمصانع الأسمدة الكيماوية؛ حيث إن مكونات الأسمدة العضوية هي مواد طبيعية ومتوفرة في البيئة العمانية وفي متناول جميع المزارعين. كما نأمل أن يكون للجهات المختصة دور أكبر في تكثيف توعية الناس لأهمية استخدام الأسمدة العضوية، الحل الأمثل لتصدي لأخطار الأسمدة الكيماوية على الموارد البيئية والبشرية.
التعليقات
التعليقات مغلقة